الثقب البقعي Macular hole
الثُقبُ البقعي Macular hole
هو فجوةٌ صغيرةٌ تنفتح في مركز شبكيَّة العين Retina، في المنطقة التي يُطلَق عليها اسم البُقعَة (اللطخة الصفراء) Macula.
الشبكيَّة retina هي طبقةٌ رقيقةٌ حسَّاسةٌ للضوء، توجد في الجزء الخلفي من العين. وتوجد البقعةُ في مركزها، وهي تُشكِّل الجزءَ المسؤول عن الرؤية المركزيَّة والدقيقة للتفاصيل، والضروريَّة للقيام بمهام مثل القراءة.
في المراحل المُبكِّرة من الإصابة بالثقب البقعي، قد يحدثُ تشوُّشٌ واضطرابٌ في الرؤية، فتبدو الخطوطُ المُستقيمَة مُتموِّجةً أو مُنحنية، وقد يُعاني الشخصُ من صعوبة في قراءة الحروف الصغيرة.
وبعدَ مرور فترةٍ زمنيَّةٍ، قد يرى الشخصُ بُقعاً سوداءَ صغيرة أو مساحاتٍ فارغة في وسط مشهد الرؤية. ولا تُسبِّبُ الإصابةُ بهذه الحالة أيَّ شعورٍ بالألم، ولا تؤدِّي إلى حدوثِ فقدانٍ كاملٍ للرؤية.
يكون من الضروري إجراءُ عمليَّةٍ جراحيَّةٍ لعلاج هذا الثقب عادة، وغالباً ما تكون العمليَّةُ الجراحيَّة ناجحةً، ولكن ينبغي أن يكونَ الشخصُ مُدرِكاً للمُضاعفات المُحتَمَلة لهذا العلاج. ومن جهةٍ أخرى، فإنَّ الرؤية لن تعود أبداً إلى عهدها الأوَّل، ولكنَّها ستُصبح أفضلَ ممَّا كانت عليه قبلَ إجراء الجراحة.
الأسباب
لا يُعرَفُ حتى الآن السببُ الحقيقي وراءَ حدوث الثقب البقعي، حيث تحدثُ الغالبيةُ العُظمى من الحالات من تلقاء نفسها (دون سببٍ واضح). وهي غالباً ما تُصيبُ الأشخاصَ الذين تتراوح أعمارُهم بين 60-80 عاماً، وتصيب النساءَ أكثرَ من الرجال بمقدار الضعفين.
ولعلّ أحدَ عوامل الخطر المحتملة هو الإصابة بحالة تُدعى الجرّ الزجاجي البُقَعي Vitreomacular traction، حيث يبدأ الجسمُ الزجاجي الموجود في مركز العين بالجرِّ على الشبكيَّة الموجودَة في الجزء الخلفي من العين. وفي حال بقاء جزءٍ من الهلام الزجاجي مُتَّصلاً بالشبكيَّة، فقد يؤدِّي ذلك إلى حدوث الثُّقب البُقعي.
كما قد ترتبط عدَّةُ حالات صحيَّةٍ بهذه الحالة مثل:
انفصال الشبكيَّة Retinal detachment. يحدث عندما تبدأ شبكيَّةُ العين بجرِّ الأوعية الدَّمويَّة التي تمُدُّها بالأكسجين والمواد المُغذِّية.
الضرر الشديد في العين.
حدوث مَدُّ بصرٍ طفيف (Hyperopic).
حدوث قصر نَظرٍ شديد (حسر Myopic).
وجود تَورُّم مستمر في مركز الشبكيَّة (وذمة بقعيَّة كيسيَّة الشكل Cystoid macular oedema).
ما الذي ينبغي القيام به؟
ينبغي مراجعةُ الطبيب أو اختصاصي البصريَّات في حال حدوث تشوُّش أو اضطراب في الرؤية، أو ظهور بقعٍ سوداء في مركز الرؤية. وقد يكون من الضروري إحالةُ المريض إلى طبيبٍ اختصاصي بأمراض العيون.
إذا كان الشخصُ مُصَاباً بحالة ثقبٍ بقعي، ولم يقم بعلاجها، فسوف يزداد سوءُ الرؤية المركزيَّة تدريجيَّاً. وفي غضون عام، سيصبح عاجزاً حتى عن قراءة أكبر الحروف المطبوعة على لوحة فحص النَّظر.
تُشيرُ الأدلَّةُ إلى أنَّ العلاجَ المبكِّر للحالة (خلال أشهر) يضمن الحصولَ على نتائج أفضل من جهة تحسُّن الرؤية.
وفي حالات نادرة، قد يتعافى الثقبُ ويشفى من تلقاء نفسه، ولهذا السبب، قد يرغب طبيبُ العيون في مراقبة تقدُّم الحالة قبلَ البدء بوصف العلاج.
العلاج ومدى نجاحه
جراحة استئصال الزجاجيَّة
يمكن علاجُ الثقب البقعي غالباً من خلال إجراء عمليَّةٍ جراحيَّة تُسمَّى استئصالَ الزجاجيَّة Vitrectomy.
إذا كان الشخصُ يُعاني من الثقب منذ أقلِّ من سنة، فسوف تكون فرصةُ نجاح العمل الجراحي لسدِّه حوالي 90%. وسوف يتمكَّن أكثر من 70% من الأشخاص الذين عُولِجوا بنجاحٍ قادرينَ على قراءة سطرين أو ثلاثة أسطر إضافيَّة من لوحة فحص الرؤية المعياريَّة، مقارنةً مع حالتهم السابقة لإجراء العمل الجراحي.
وحتَّى لو لم تحقِّق الجراحة درجةً جيِّدةً من التَّحسُّن، فإنَّ الرؤيةَ سوف تصبح مستقرَّةً على الأقلّ، ويتوقَّف تدهورُها على الأقل أيضاً.
وفي عددٍ قليلٍ من الحالات، قد لا يندملُ الثقبُ رغم إجراء الجراحة، وقد تستمرُّ الرؤية المركزيَّة بالتدهور. ولكنَّ ذلك لن يمنع من إجراء جراحة ثانية، وقد تبقى فرصُ نجاحها جيدة.
حقن الأوكريبلاسمين
إذا نَجَمَ الثُّقبُ البقعي عن الجرِّ الزجاجي البقعي، فيمكن علاجُه من خلال حَقنِ الأوكريبلاسمين Ocriplasmin داخل العين، حيث يُفيدُ هذا الحقن في فصلِ الهلام الزجاجي عن الجزء الخلفي من العين، ويسمح باندمال الثقب البقعي. ويكون هذا العلاجُ ناجحاً في سدِّ الثقب البقعي عند حوالي 40% من الحالات.
يستغرقُ الحقنُ بضعَ ثوانٍ، ويُجرى تحت تأثير مخدِّرٍ موضعيٍّ بحيث لا يشعُرُ الشخصُ بأيِّ ألم. وسوف تُستَعملُ كذلك قطراتٌ عينيَّة لتوسيع حدقة العين كي يتمكَّنَ الطبيبُ من رؤية الجزء الخلفي من العين.
تُستَعملُ حقنةُ أوكريبلاسمين عادةً في المراحل المُبكِّرة من الإصابة فقط، وذلك عندما يكون عرضُ الثقب البقعي أقلَّ من 400 مِكرومتر، إلا أنَّه يُسبب أعراضاً شديدة.
قد يتسبَّبَ استعمالُ أوكريبلاسمين بظهور بعض الآثار الجانبيَّة الخفيفة، والتي تزول عادةً، مثل:
الانزعاج المؤقَّت.
مشاهدة ما يشبه الذباب الطائر (العوائم floaters).
الانزعاج من الأضواء الساطعة.
ضبابية الرؤية.
تلوُّن الرؤية بلون صفراء.
قد تظهرُ عند عددٍ قليلٍ من الأشخاص آثارٌ جانبيَّةٌ أشدُّ خطورةً، مثلَ حدوثِ نقصٍ ملحوظٍ في الرؤية أو توسُّعٍ في الثقب البقعي أو انفصالٍ في الشبكيَّة. ومن الضروري إجراء عملٍ جراحيٍّ عادةً لتدبير الثقب البقعي المُتوسِّع أو انفصال الشبكيَّة.
لن يكونَ الشخصُ قادراً على قيادة المركبات بعد إجراء الحقن مباشرة، ذلك أنَّ القطرات العينيَّة المُستَعمَلة تؤدي إلى تشوُّشٍ الرؤية؛ إلا أنَّ الأمور تعود إلى طبيعتها بعد مرور يومٍ واحدٍ على استعمال القطرات.
وإذا فَشِلَت حقنةُ أوكريبلاسمين في سدِّ الثقب البقعي، وهو ما يحدثُ عند حوالي 60% من الحالات، فسوف يكون من الضروري إجراءُ عمليَّة استئصال الزجاجيَّة، لرأبِ الثقب البقعي وتحسين الرؤية.
ما هي جراحة استئصال الزجاجيَّة؟
تُعَدُّ جراحةُ الثقب البقعي أحدَ أشكالِ الجراحة التنظيرية keyhole surgery التي تُجرى تحت المجهر.
تتضمَّن الجراحةُ إجراءَ ثلاثة شقوقٍ صغيرةٍ (طول كلٍّ منها ميليمتر واحد) في بياض العين، وتُدخَلُ أدوات دقيقة جدَّاً من خلالها.
يُستأصلُ الهلامُ الزجاجي vitrectomy أوَّلاً، ثمَّ تُقشَرُ الطبقةُ الرقيقة جداً (الغشاء المحدِّد الدَّاخِلِيّ inner limiting membrane) برفقٍ عن سطح الشبكيَّة المُحيط بالثقب، وذلك بهدفِ التحرُّرِ من القوى التي تُبقي الثقبَ مفتوحاً.
ثم يجري ملءُ العين بفقاعةٍ غازية مؤقَّتةٍ أو زيت سليكون تضغط على سطح الثقب الموجود في الجزء الخلفي من العين للمساعدة على سدِّه.
من شأن الفقاعة الغازية أن تحجبَ الرؤيةَ خلال فترة وجودها، ولكنَّها تتلاشى ببطءٍ في غضون 4-8 أسابيع.
تستغرق جراحةُ الثقب البقعي ما بين 45-90 دقيقة عادةً، ويمكن إجراؤُها تحت التخدير الموضعي أو التخدير العام. يختار معظمُ المرضى استعمالَ المُخدِّر الموضعي الذي يكون باستعمال حقنٍ مُخدِّرة حول العين، لذلك لن يكون هناك شعورٌ بالألم في أثناء إجراء العمليَّة.
يستطيع الشخصُ العودةَ إلى منزله في نفس يوم إجراء العمليَّة.
ما الذي يمكن توقُّعه بعد إجراء العمليَّة
ضَعف مؤقَّت في الرؤية
سوف تكون الرؤيةُ ضعيفةً جدَّاً بوجود الفقاعة الهوائيَّة، كما لو كان الشخصُ يفتح عينَه تحت الماء.
كما أنَّ توازنَ الشخص سوف يتأثَّر مع مُعاناته من صعوبة تقدير المسافات، وبذلك فعليه الانتباه إلى خطواته والعوائق في طريقه. كما قد يُعاني الشخصُ من صعوبة كبيرة عندَ القيام ببعض النشاطات، مثل صبِّ السوائل أو التقاط الأشياء.
يتقلَّص حجمُ فقاعة الهواء في غضون 7-10 أيَّام من إجراء العمليَّة الجراحيَّة. وفي أثناء ذلك، سوف يمتلأ الحيِّزُ الذي كانت تشغله فقاعةُ الهواء بسائلٍ طبيعيٍّ قامت العينُ بإنتاجه، لتبدأ عندها الرؤية بالتَّحسُّن.
يحتاج امتصاصُ فقاعة الهواء عادةً إلى مدَّةٍ تتراوح بين 6-8 أسابيع، وعندها تتحسَّن الرؤية.
ألم خفيف أو إزعاج
قد يشعر المريضُ بألمٍ خفيفٍ في العين بعدَ إجراء العمليَّة الجراحيَّة.
ينبغي الاتِّصالُ مباشرةً بطبيب العيون المُختص، أو التَّوجُّه إلى أقرب مركزٍ إسعافي في الحالات التالية:
الشعور بألمٍ شديد.
تراجع قدرة المريض على الرؤية، مُقارنةً مع ما كانت عليه في اليوم التالي للجراحة.
الضماد الواقي
عندما يستعيد الشخصُ وعيه، سيجدُ أنَّ عينَه مُضمَّدةٌ مع وجود غطاءٍ بلاستيكي واقٍ فوقها، ويمكنه نزعَ الضماد والغطاء في اليوم التالي بعد إجراء العمليَّة.